شهدت أروقة مجلس الأمن حراكاً مكثفاً الجمعة الماضية، قادته بريطانيا بدعم مباشر من الولايات المتحدة وفرنسا، في محاولة لتمرير مشروع قرار عقوبات موسعة رأته صنعاء ودول إقليمية على أنه خطوة تصعيدية تهدف إلى تشديد العقوبات المفروضة على اليمن وتوسيع رقعة الحصار الاقتصادي والإنساني على البلاد.
"استهداف الكيان السياسي الحاكم في صنعاء"
يعيد مشروع القرار المقترح تصنيف العقوبات، بحيث لا تقتصر على أفراد أو قيادات معينة، بل تشمل حركة أنصار الله باعتبارها مكوناً سياسياً حاكماً، ما يعني عملياً استهداف حكومة صنعاء ومناطق سيطرتها، واعتبارها طرفاً يخضع لعقوبات شاملة قد تطال البنية الإدارية والمؤسسات المدنية.
"آلية التفتيش الجديدة.. خطوة نحو حصار شامل"
تسعى لندن وواشنطن عبر المشروع إلى استبدال آلية التفتيش الأممية في جيبوتي بقوات دولية غربية تشرف على كل ما يدخل الموانئ اليمنية، بما في ذلك الحديدة وعدن.
هذا التحول ـ وفق مراقبين ـ يفتح الباب أمام حصار اقتصادي كامل يشمل الغذاء والوقود والدواء، ويهدف إلى خنق ما تبقى من الاقتصاد اليمني بعد فشل الخيار العسكري.
"إدانة العمليات في البحر الأحمر.. دعم غير مباشر لإسرائيل"
يتضمن مشروع القرار إدانة العمليات اليمنية التي تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل، رغم توقف مرورها منذ بدء وقف إطلاق النار في غزة.
وتعد هذه الإدانة، بحسب محللين، موقفاً سياسياً يصطف مع العمليات العسكرية الإسرائيلية التي وصفتها منظمات دولية والأمم المتحدة بأنها ترقى لجرائم إبادة بحق المدنيين الفلسطينيين، متجاهلة مبادئ القانون الدولي الإنساني.
"الموقف الروسي: صياغة غير متوازنة تقوض المسار السياسي"
امتنعت روسيا عن التصويت مع تسجيل تحفظات واضحة، معتبرة أن نص المشروع يحمل "عبارات غير متوازنة وأحادية الجانب"، من شأنها استفزاز أحد الأطراف الرئيسيين في الصراع اليمني، وتقويض فرص التقدم نحو حل سياسي شامل.
وترى موسكو أن تشديد العقوبات في هذه المرحلة قد يقود إلى مزيد من التصعيد ويجعل العودة إلى طاولة الحوار بين الأطراف اليمنية أكثر تعقيداً.
"الموقف الصيني: مخاوف من عسكرة البحر الأحمر"
الصين رفضت المشروع مركزة على خطورة تفويض القوات الدولية بتنفيذ "إجراءات الصعود والتفتيش البحري" في البحر الأحمر دون معايير واضحة أو آليات رقابية.
وترى بكين أن هذه الخطوة تتعارض مع الولاية القانونية لدولة العلم، وتهدد حرية الملاحة والتجارة العالمية في أحد أهم الممرات البحرية، فضلاً عن احتمال انتهاك حقوق الدول الساحلية وزيادة تعقيد الوضع الأمني.
وأكدت الصين أن معالجة التوترات في البحر الأحمر لا يمكن أن تنفصل عن وقف الحرب على غزة وإعادة الاستقرار الإقليمي، باعتباره شرطاً لتهيئة بيئة مناسبة للتسوية السياسية في اليمن.
"تداعيات القرار على الوضع الإنساني"
حذرت جهات حقوقية من أن إقرار المشروع كان سيقود إلى كارثة إنسانية جديدة، إذ يعني فعلياً فرض حصار اقتصادي وإنساني شامل يعمق المعاناة ويعيد مشاهد الطوابير الطويلة للغاز والبنزين والقمح والدواء، في بلد يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
"دور موسكو وبكين في تعطيل التصعيد"
ساهمت روسيا والصين في منع تمرير القرار بصيغته الحالية، ما حد من محاولة خطيرة لتقويض ما تبقى من سيادة اليمن، وأبقى نظام العقوبات القديم لعام إضافي دون توسع أو تعديل، رغم الضغوط الغربية.
"سيناريوهات التصعيد المقبلة"
يبقى المسار القادم مرهوناً بالسلوك الأمريكي والبريطاني، خاصة في ظل التزام صنعاء بوقف إطلاق النار في غزة رغم الخروقات الإسرائيلية، وتجاهل الدعوات الدولية لرفع الحصار عن اليمن ووقف السياسات التي تفاقم الأزمة الإنسانية.
وتحذر تقارير دولية من أن أي تصعيد جديد قد يشعل مواجهة واسعة في البحر الأحمر، بآثار أمنية واقتصادية ستطاول دول العالم.
"إريتريا تدخل على الخط"
قدم الرئيس الإريتري أسياس أفورقي موقفاً لافتاً أكد فيه أن صنعاء لا تمثل تهديداً لأمن البحر الأحمر، محملاً القوى العالمية ذات الطموحات العسكرية مسؤولية اضطراب المنطقة، عبر بناء قواعد ونقاط نفوذ في جزر سقطرى وميون وزقر ومضيق باب المندب، بهدف توسيع حضورها العسكري والسياسي.
تكشف محاولة تمرير المشروع البريطاني عن توجه غربي لتعزيز الهيمنة على الممرات الحيوية وفرض وقائع جديدة تخدم المصالح الاستراتيجية، على حساب أمن الدول المطلة على البحر الأحمر واستقرار اليمن.
وإذا استمرت الولايات المتحدة وبريطانيا في استخدام مجلس الأمن لفرض قرارات أحادية، فإن المنطقة قد تتجه نحو مواجهة كبرى سيدفع ثمنها العالم بأسره، في ظل هشاشة التوازنات الإقليمية واحتدام الصراعات الدولية.
